الابتكار الاجتماعي
تحليل العوائق Barrier Analysis

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 13

تحليل العوائق Barrier Analysis

   عبير العبيد

إن سلوك الأفراد في حياتهم اليومية يتضمّن الكثير من السلوكيات الخاطئة، والتي يمكن أن يكون لها آثار سلبية، ليس على صحتهم الجسدية والنفسية فحسب، وإنّما على المجتمع كله على المدى البعيد.

ويكمن التحدي في اتباع الأفراد لهذه السلوكيات الخاطئة رغم علمهم بأنها خاطئة، مما يزيد من حدة المشكلات التي تعاني منها المجتمعات من عدة نواحٍ: صحية، كانتشار وباء بسبب سلوك ما غير صحي يتبعه الأفراد، اجتماعية، كانتشار العنف الأسري الذي يؤدي إلى تفكك الأسر، اقتصادية، كانتشار الاحتكار والاحتيال... إلخ.

ولمواجهة هذا التحدي كان لا بد من إيجاد أدوات تساعد الأفراد على تغيير سلوكياتهم الخاطئة، وتدعم الأنشطة الصحيحة، وهذا لا يعتمد على الخبرة والتجريب، وإنما يتطلب وجود نهج علمي يمكن اعتماده لفهم دوافع وعوائق التغيير كخطوة أولى، ثم تصميم أنشطة وخدمات تدعم تغيير السلوك.

ومن هذه الأدوات ظهرت منهجية تحليل العوائق Barrier Analysis عام 1990، على يد البروفيسور Tom Davis المختص بتغذية الأطفال، الذي طوَّر هذه المنهجية اعتماداً على نماذج الحياة الصحية وtheory of reasoned action، ثم أصبح أداة تستخدمها عدة منظمات حول العالم، لدراسة تغيير سلوك يرتبط بالمسوحات المتعلقة بالأطفال والأمن الغذائي، وتنظيم الأسرة، والصحة الإنجابية، وغيرها.

سنستعرض فيما يلي هذه المنهجية بإيجاز من حيث المفهوم، والمبادئ، والأهمية، وخطوات تطبيقها السبع.

مفهوم تحليل العوائق

هو دراسة تحليلية لسلوك ما، يؤثر في المجتمع إيجابياً، بغية التعرف على صفات الأفراد الذين يسلكون هذا السلوك، وأولئك الذين لا يسلكونه، ومعرفة العوائق التي تمنعهم منه، وذلك بهدف وضع جسور تدعم التغيير، للوصول إلى تطبيق أمثل لهذا السلوك من خلال فهم عوائق سلوكه، وذلك باستخدام مسح إحصائي يركز على تحديد الأفراد المعنيين بهذا السلوك، ثم تصنيفهم إلى فئتين:

  • الفاعلين Doer: وهم الأفراد الذين عادةً ما يمارسون السلوك المدروس فعلياً.
  • غير الفاعلينNon Doer : وهم الأفراد الذين لا يمارسون هذا السلوك. 

أهمية تحليل العوائق

يستخدم تحليل العوائق كخطوة أولى في برامج تصميم تغيير السلوك Change Behavior Design، كما يمكن استخدامه في البرامج التي تركز على السلوك غير القابل للتغيير، بالرغم من الجهود المتكررة لتغييره، وذلك بهدف فهم ما الذي يمنع الناس من اتخاذ خطوات للتغيير في هذا السلوك، ويمكن توظيف النتائج بأشكال متعددة:

  • رسائل توعوية.
  • وضع استراتيجيات مناسبة.
  • دعم الأنشطة التي يمكن أن تطور هذا السلوك أو تغيره.

مبادئ تحليل العوائق

إن معرفة المبادئ التي يقوم عليها تحليل العوائق، تساعد على التعرف إلى الأسباب التي أدت إلى وجود تحليل العوائق، وهذه المبادئ هي:

  1. معرفة السلوك الصحيح لا تؤدي بالضرورة إلى سلوكه، فمعرفة الحوامل لضرورة اتباع نظام غذائي جيد خلال فترة حملهن، وأهمية ذلك للجنين وتأثيره في نموه بصحة جيدة، لا يؤدي بالضرورة إلى التزامهن به.
  2. معرفة النتائج السلبية للسلوك لا تمنع الآخرين منه، فالكثير من المدخنين يعلمون أن التدخين يضر بالصحة وبالرغم من ذلك يواظبون على التدخين!
  3. لا يمكن الالتزام بسلوك ما، في حال لم يدرك الأفراد فائدة هذا السلوك وفاعليته، فمثلاً سلوك شراء المنتجات الوطنية لن يلتزم به الأفراد ما لم يدركوا فائدة وفاعلية هذا السلوك.
  4. معرفة الأسباب التي تمنع الأفراد من هذا السلوك تشكل الطريق الصحيح للتغيير، فمثلاً معرفة الأسباب التي تمنع الأم من إرضاع طفلها حديث الولادة رضاعة طبيعية يكون الطريق لتصحيح سلوكها باتجاه الرضاعة الطبيعية.
  5. معرفة النتائج الإيجابية للسلوك الصحيح هو الطريق لتغيير السلوك، فمعرفة الطفل لنتائج غسل يديه بالماء والصابون قبل الطعام وبعده تساعده على المداومة على هذا السلوك.

خطوات إجراء تحليل العوائق

نستعرض فيما يلي الخطوات السبع لإجراء تحليل العوائق:

 

1. التحديد Define the behavior and Priority group

يقصد بالتحديد عملية تحديد السلوك الإيجابي المراد إجراء تحليل العوائق له والتعبير عنه بعبارة سهلة وواضحة، بالإضافة إلى تحديد المجموعة ذات الأولوية، التي هي الأكثر تأثراً بهذا السلوك من خلال تحديد صفاتها وخصائصها.

2. التطوير Development 

تتضمن مرحلة التطوير وضع أسئلة السلوك The Behavior Questions لتمييز الفاعلين وغير الفاعلين له في المجموعة ذات الأولوية، بالإضافة إلى أسئلة حول المحددات Questions about Determinants التي تصف السلوك عند الفاعلين وكذلك عند غير الفاعلين.

وتختلف أسئلة السلوك المخصصة لتحديد صفات الفاعلين وغير الفاعلين في المجموعة ذات الأولوية تبعاً لطبيعة السلوك، وليس هناك ضوابط لها، أما أسئلة محددات السلوك فهناك اثنا عشر محدداً لها، تنقسم إلى أربعة محددات أساسية وثمانية محددات ثانوية، كما يوضح الشكل:

 

3. التنظيم: Organize the analysis sessions

يقصد به تنظيم أسئلة السلوك، وأسئلة المحددات في استبيان، ووضع خطوات المعاينة وجمع البيانات، وتحديد عدد من الباحثين المختصين لجمع هذه البيانات.

4. جمع البيانات ميدانياً Collect field data

صُمّم استبيان تحليل العوائق على أساس تحديد المجيب فيما إذا كان من فئة الفاعلين أو غير الفاعلين، ثم الفصل ما بين الأسئلة الموجهة لفئة الفاعلين وتلك الموجهة لفئة غير الفاعلين

5. ترميز البيانات وجدولتها    Coding and Tabulate

ترمز بيانات استبيان تحليل العوائق لسلوك ما الخاصة بالأسئلة التي إجاباتها تحدد فيما إذا كان المجيب فاعلاً Doer أو غير فاعل Non-Doer، ومن ثم يحسب عدد مرات تكرار خيارات الفاعلين وغير الفاعلين ويفصل بينها، وتتكرر هذه العملية من أجل جميع الأسئلة المفتوحة الموجودة في الاستبيان.

6. تحليل النتائج Analyze The Results

اعتمد في تحليل النتائج أسلوب تحليل نسب الأرجحية Odd Ratio لتحليل درجة تأثير كل محدد في السلوك، وتمثل نسبة الأرجحية Odd Ratio نسبة الفاعلين للسلوك إلى غير الفاعلين بالنسبة لمحدد ما، وتعطى بالعلاقة التالية:

وهذا يقودنا إلى النتيجة التالية:

إن تحديد أكثر المحددات تأثيراً في السلوك يرتكز أساساً على طبيعة المجتمعات المعنية بهذا السلوك، وذلك من خلال تحديد نسبة الأرجحية فيها، التي من خلالها نستطيع الحكم على أهمية محدد ما بالنسبة للسلوك المدروس من عدمه.

7. الاستفادة من النتائج في صنع القرارات Use the results

لا خطة أو منهجية ثابتة للاستفادة من النتائج في تصميم أنشطة تساعد على التغيير المنشود، إذ لكل سلوك منهجيته الخاصة في وضع خطط الأنشطة الخاصة به.

كما رأينا هذه المنهجية لا تنحصر في تحليل عوائق سلوك ما في جانب واحد، بل تحلل العوائق من عدة جوانب وفقاً لمحددات أساسية وثانوية، وهذا برأينا إحدى نقاط القوة في هذه المنهجية، لذا أعددنا دليلاً يسمى "تحليل العوائق: منهجية تحليل عوائق تغيير سلوك الأفراد" يشرح هذه المنهجية بالتفصيل، مع أمثلة وحالة مدروسة تساعد على الفهم، كما أننا طورناها لتتناسب مع السياق في منطقتنا العربية، يمكنكم تحميل هذا الدليل من هنا.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...